يعود الفضل لأهل البادية بالعيش في الصحراء إلى الجمل الملقب بسفينة الصحراء، فهو الحيوان الوحيد الذي يمتلك القدرة على مقاومة حر الصحراء وجفافها، كما أنه رمز للثراء والقوة ومصدر للغذاء والكساء، فيصنع من جلده الحذاء ومن وبره البرنوس والخيم
الجمل يعتبر من الحيوانات التي لها القدرة على المسير لمسافات طويلة دون تعب، وأثناء السفر لا يحتاج للرعي وإنما يلتقط في طريقه الأعشاب من هنا وهناك يجترها عندما يحط أثقاله للإستراحة. بذلك خلق الجمل فرصا مثالية لتعمير الصحراء واستغلال خيراتها الطبيعية وجعلها منطقة عبور للتجارة بين شمالها وجنوبها وشرقها وغربها، وهذا ما جعل الرحل البدو يفرضون سلطانهم على الصحراء بفضل الجمل.
كان الجمل عاملا مهما في زيادة عمران المناطق الصحراوية وساهم في تحسين ظروف المعيشة والإتصال والتبادل الإجتماعي والتجاري بين مختلف سكان الصحراء. لولا هذا الحيوان لظلت المناطق الصحراوية مغلقة محرومة من كل إتصال خارجي، فلا عجب أن تتوقف حياة البدو كلية على هذا الحيوان بل ولا حياة لهم من دونه.
. الجمل في حياة البدو رمز للثروة والجاه ودليل الرخاء والنفوذ والسلطان بين القبائل في الصحراء. والعرب تدفع المهر والدية بالجمال وتحمل أثقالها حيثما حلت وارتحلت.
لذلك إهتم الشعانبة بتربية الجمال، وحتى يتم التمييز بين جمال بطون الشعانبة قام كل بطن بوضع علامة أو طابع خاص به يختلف عن بقية البطون يوضع على العنق أو الساق، وجمال الشعانبة ليست من النوع الرفيع وهي ليست سريعة مثل جمال الطوارق، ولكنها تعتبر أقوى منها في تحمل العطش والسير لمسافة خمسة عشر إلى عشرين كيلو متر في اليوم، وحمل ما وزنه مأتيين و أربعين كيلو غرام. يسيطر الشعانبة على تجارة القوافل في المجال الممتد بين شواطئ الجزائر وتمبكتو والمغرب الأقصى والبلاد الواقعة على نهر النيجر، وكانت المناطق الصحراوية الغربية مقسومة إلى مجالين للنفوذ، سيطر الشعانبة على المجال الممتد من خط عين صالح غربا وغدامس شرقا إلى الشمال منه، فهو مسرح نشاطهم التجاري، بينما المجال الممتد في جنوب ذلك يسيطر عليه قبائل الطوارق. واستطاع الشعانبة الإحتفاظ بتجارة القوافل وتمويل القصور التى تقع شمال غرب الصحراء، وخاصة فيما يتصل بتجارة الجنوب الآتية من جبال الأطلس والهضاب العليا الجزائرية، والإستحواذ على تجارة السكر من قابس في تونس .
الأسـواق:
يتردد الشعانبة على العديد من الأسواق في تجارتهم، منها السودان وغدامس وعين صالح وعين ماضى وتماسين وتيديكلت. وتيميمون وتوقرت. أولاد سيد الشيخ وتونس، ويتم نقل سلعهم عن طريق الجمال،كما أنهم يقومون في بعض الأحيان بكراء جمالهم للقبائل المجاورة لهم ليحملوا عليها سلعهم.
توجد أسواق محلية يلتقي فيها الشعانبة مع سكان الواحات مثل الميزابيين الذين يأتون من غارداية وبريان والقرارة والعطف وبنوره وبني يزقن والمذابيح القادمون من ضاية بن ضحوة، حيث يكون اللقاء في سوق قارة الطعام الواقع بالضبط في النوميرات أين توجد شركة الانابيب حاليا بالضبط.
القوافل التجارية للشعانبة:
تتنقل قوافل الشعانبة التجارية على شكل مجموعات، عكس قوافل التوارق التى تتنقل على شكل خط واحد، والقافلة يقودها أكبر الجمالين سنا صاحب الخبرة والحنكة والعارف بخبايا ومسالك الطريق، وهو الذي يأمر وينهى فيوقف القافلة و ينهضها حسب ظروف الطريق وحمولة القافلة. تعسكر القافلة قبل غروب الشمس في الموقع الذي يختاره قبطانها، ويقوم الرجال بتقاسم المهام، فيتكلف فريق بجمع الحطب وفريق بطبخ الطعام، وبعد نضج الطعام و تناوله، يسهرون قليلا، ثم يأوي كل واحد منهم إلى فراشه ليستيقظ فجرا، وبعد تناول الشاي تنهض الجمال لتأخذ طريق سيرها حتى الساعة الحادي عشر نهاراً وتتوقف لتناول طعام الغذاء دون أن تنزع الأحمال من على ظهور الجِمال، ثم تمضي القافلة في طريقها.
تسير قوافل الشعانبة بإنتظام بين جبال الأطلس جنوب وهران وحتى بلاد السودان جنوبا، عبر جرارة وتادكيلت وتوات غربا وقابس وغدامس شرقا. والقوافل التى تتجه نحو الشمال و نحو الشرق تكون مسلحة لحماية تجارتها، وتتمتع بالإستقلالية، أما التى تتجه نحو الجنوب فكانت تضطر إلى دفع أتاوات للتوارق في مقابل حمايتها.
تقوم قوافل الشعانبة التجارية بتمويل القصور التى تقع في الشمال الغربي للصحراء، ولاسيما فيما يتصل بالجنوب والآتية من جبال الاطلس والهضاب العليا للجزائر، بمختلف المنتجات وخاصة السكر الذي تجلبه من قابس.
ومن المنتجات التى يجلبونها من أسواق توات والمغرب وتباع في أسواق متليلي وغارداية : العبيد ( فتيات ورجال) وتتراوح أسعارهم من 250 فرنك إلى 600 فرنك، وجلد النعام من 100 إلى 150 فرنك، والرصاص ب 80 سنتيم والكحل ب 68 ستتيم والحنة ب 57 فرنك والذهب الذي يجلب كمسحوق ومشكل في أساور وحلقات، والأساور المصنوعة من قرن الجاموس
تحول الشعانبة من تجارة القوافل إلى فتح الدكاكين والمتاجر، وقد شمل نشاطهم هذا كل المناطق التى تمتد من غارداية إلى تمنراست ومن جانت إلى أدرار. وقد دلت الإحصائيات أن 80 %من مجموع المحلات التى كانت توجد في جميع المراكز العمرآنية الواقعة في الجنوب الغربي من الصحراء الجزائرية يملكها الشعانبة وهم في تزايد مستمر. إن الشعانبة الذين يمارسون تجارة التجزئة مثلهم مثل الميزابيين يرفضون الإستقرار في المناطق التى تقع فيها تجارتهم. وكانوا يذهبون نحو السودان لجلب الريش والعاج وجلد الزرافة، ولا يعودون إلى متليلي إلا كل ستة أشهر. المراجع:
1- إبراهيم مياسي : من قضايا تاريخ الجزائر المعاصر، دون ط، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر1999.
2- إسماعيل العربي: الصحراء الكبرى و شواطئها، دون ط، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر .3- Daumas:( le lieutenant colonal) ,sans prénom , le Sahara Algerian, etudes géographiques , statistiques et historiques sur la region au sud des établissements francais en algérie , fortin , masson et ,cie , langlois et leclercq. Paris,1845. 4- Yes Regnier :le chaamba sous le regime François leur transformation,Les éditions domal, montchrestien Paris 1938.