بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة و السلام علي رسوله الأمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما وبعد:بهذه المناسبة العزيزة علي كل جزائري، مناسبةِ الذكرى الرابعة و ستون لاندلاع ثورة نوفمبر التحريرية المجيدة يطيب لنا أن نساهم بكلمة صادقة وبناءة خاصة و أن لنا صلة مباشرة وطبيعية بهذه الثورة وبمختلف المقاومات الشعبية ضد المحتل الغاشم.
كيف لا ومنا شهداءُ نتشرف بأسمائهم على مداخل مدينتنا ومعنا إخوة مجاهدون صدَقوا الله فيها ما نزال نفخر بقصص المجد التي نسمعها من أفواههم أطال الله أعمارهم وبارك فيها ؟وليس أروعَ ولا أدلَّ على فحوى هذه الذكرى ولا أنسبَ لبداية الكلمة من التذكير بأهم مقاطع بيان أول نوفمبر 1954. الذي جاء فيه:نداء إلي الشعب الجزائري في أول نوفمبر 1954 من الكتابة العامة لجبهة التحرير الوطني: …فإننا نعتبر الشعب الجزائري في أوضاعه الداخلية متّحدا حول قضية الاستقلال والعمل. …أمام هذه الوضعية التي يُخشى أن يصبح علاجُها مستحيلا، رأت مجموعة من الشباب المسؤولين المناضلين الواعين التي جمعت حولها أغلبَ العناصر التي لا تزال سليمةً ومصممةً، أن الوقت قد حان لإخراج الحركة الوطنية من المأزِق الذي أوقعها فيه صراعُ الأشخاص … إن حركتنا قد وضعت المصلحةَ الوطنيةَ فوق كل الاعتباراتِ التافهةِ و المغلوطةِ لقضية الأشخاص والسمعة …وكان من بين أهداف هذا البيان:• إقامةُ الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية. • احترامُ جميع الحريات الأساسية دون تمييز عرقي أو ديني.• تجميعُ وتنظيم جميع الطاقات السليمة لدى الشعب الجزائري لتصفية النظام الاستعماري. نعم إنها ثورة قيم، ومبادئ سامية ليس كما حاولت الدوائر الاستعمارية تقزيمها ووصْمَها بأنها أعمال عنف وشغَب، هدفها النهب وسفك للدماء تقوم بها عصابة من قُطّاع الطرق.إن تحليلَنا المتواضعَ لهذا البيان التاريخي يحيلنا إلى استخلاص القيم التالية:الاستشارةِ الشعبية بحيث إن النداء موجه إليه، وأن الشباب هو صانع المعجزات، وأن وحدة الشعب والتفافه حول القضية هو ركيزة النجاح في العمل الثوري، واسترداد السيادة الوطنية، وبلوغ الحرية التي تتجسد في الاستقلال، وما يتطلبه ذلك من عدالة و مساواة بين جميع مكونات الشعب.ولا ننكر بل نفتخر بدور العقيدة الإسلامية و محوريتها في دفع عجلة الثورة. كما أن لهذه الثورة قيم حضارية وتفاعلية أخرى منها: إعطاء الثورةِ بُعدَها المغاربي، والإفريقي، والعربي الإسلامي والعالمي.إن بيانَ نوفمبر ليس شعاراتٍ تُرفع في لافتات جامدة، أو كلماتٍ تُردد في المناسبات فقط، بل هو مشروع مجتمع كما أنه ليس فرصة للتكسب والتموقع، وظرفا مواتيا لهُوَاةِ ركوب الأمواج للتطْويح بالنفس وبالوطن شرقا وغربا.بل إن نوفمبر وما يتصل به من تذكر واستحضار موقفٌ ومنعطَفٌ وإرادةٌ وعزيمةُ لا بد من توظيفها وتفعيلها وبعثها واقعا مَعيشا يتمتع بأسباب الحياة ومن أهم أسباب الحياة تلك، المواطنةُ الحقة التي يستوي أمامها كلُّ المنتمين إلى هذا الوطن العزيز، ومن أسبابها أيضا وإذكاء روح العمل والكدّ الذي أساسه الاستثمار في الموارد البشرية والطاقات المعطلة.ذلك أن هذه الثورة الخالدة قام بها الشعب الجزائري وهو يعيش آنذاك ظروفا عصيبة في كل المجالات وتحت نِير محتل غاشم ومع ذلك تمكن بإذن الله ثم عزيمته من قهره ودحره في الوقت الذي ننعم فيه اليوم بالاستقلال و مع أن بلدنا عرف قفزة نوعية في مجال التنمية والتكافل والتضامن الاجتماعي إلا أننا ما نزال نعيش أزمات معقدة ومتعددة الأبعاد ففي الجانب المادي صَرفت الدولة أموالا طائلة لتطوير جميع القطاعات ومع ذلك لم يبلغ بنا ذلك أملَ التخلص من التبعية الاقتصادية للخارج بصفة نهائية.وفي الجانب المعنوي والحضاري لا يسعنا – وفاءً لعهد الشهداء – إلا أن نستنكر ونندد مرة أخرى باستعمال لغة غيرِ اللغات الوطنية في مخاطبة المواطنين خاصة على ألسنة القائمين علي تسيير مؤسسات الدولة رغم أنهم مطالبون بتعزيز جسر التواصل بينهم وبين المواطن وتحقيق عنصر الثقة الذي لن يكون إلا بلغة الشعب الذي تخاطب وُجدانَه وتَسْتَحِثُّ ضميرَه.وفي بيان نوفمبر المُشار إليه سابقا الطريقُ المُمهَّدُ للخروج من هذه الأزمات وما يشبهها من مسلكيات لا تفسر إلا بأنها انحراف عن القيم والمبادئ التي دعا إليها البيان وجَمَع الشعبَ عليها. وإنها لقيم جديرة بأن نضعها نُصْبَ أعين أجيالنا تتعلمها وتعَض عليها بالنواجذ.بهذه المناسبة العزيزة نتقدم مرة أخرى إلى الشعب الجزائري بأحر التهاني كما نتمنى لبلدنا النهوض في شتى المجالات، والرقِيّ إلى مصاف الدول الرائدة مستلهما في ذلك روح ثورة نوفمبر الخالدة.تحية إجلال وإكبار لكل المجاهدين الذين لم يبدلوا تبديلا ورحم الله من قضوا نحبهم وصاروا إلى ذمة الله تعالى المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار. متليلي الشعانبة في: 01 نوفمبر 2018رئيس المجلس: بوعامر بوحفص